أخبار وطنية لا حلول في الأفق يا سي الباجي ويا سي الصيد!
بقلم: محمد المنصف بن مراد
أنا متشبّث ـ وأكثر من أيّ وقت مضى ـ بما كتبته سابقا: هذه الحكومة ضعيفة وهذه الرئاسة غير حازمة، وقد تعاملت الرئاستان مع «أخبار الجمهورية» بالاقصاء مثلما تعامل معها النظام قبل 2011، ورغم ذلك سأواصل كتاباتي.. وللتذكير فبعد أن قابلت زين العابدين بن علي سنة 1994 وأكّدت له انّ الانتخابات مزيّفة ومزوّرة بما أنّني كنت مسؤولا عن مكتب اقتراع بحمام الأنف وعاينت بنفسي التجاوزات، اثر ذلك أصدر تعليماته بعدم منح أيّ اشهار عمومي لمؤسستنا لتتواصل المظلمة 13 سنة كاملة ولم تقع دعوتي ولا دعوة ايّ صحفي من «الجمهورية» طيلة 18 سنة سواء للسّفرات الرئاسية أو للمناسبات الوطنية أو الرحلات الوزارية.. ورغم كل العراقيل فانّي سأواصل كتاباتي وان بات واضحا ان الرئاستين لا تصغيان للانتقادات الجدّية وهما بذلك تشجّعان بصفة مباشرة أو غير مباشرة على تأسيس نوع جديد من النقد «البنّاء» ليصبح بعض الأعلاميين أنصاف «بني وي وي» بعد أن كانوا «بني وي وي» أو إعلام «الله ينصر سيدنا».
انّ البلاد في خطر والآفاق مسدودة للأسباب التالية:
على الصعيد السياسي تكونت حكومة تونسية ندائيّة ـ نهضوية بإيعاز من الإدارة الأمريكيّة التي تساند الاسلام السياسي الذي يخدم مصالحها.. هذا التحالف غير الطبيعي سيكبّل ـ نسبيا ـ عمل الحكومة لأنّ برامج الحزبين متباينة وأنصارهما يختلفون وأهدافهما لا تتلاقى.. فاختيارات نداء تونس الاستراتيجيّة والمتناغمة مع «اقتراحات واشنطن» هي التي فرضت هذا التحالف وقد كان من الأفضل اشراك النهضة في الحكومة بشروط: تخليها عن برنامجها الديني وقطع علاقتها مع المتشدّدين على اختلاف فصائلهم، ولو فعلت النهضة ذلك لأصبحت حزبا حداثيا يحمل مشروعا حضاريا واقتصاديا وأخلاقيا بما يجعل الاسلام محرّكا أساسيا للنموّ والحريات والروحانيات والمعرفة ومدافعا شرسا عن حقوق المرأة..
لكن نداء تونس وخاصّة مسؤوليه خيروا الحل السهل والتحالف دون شروط ناسيا أو متناسيا أنه الحزب الأول وانّ رئيسه هو ساكن قصر قرطاج، وحتى لو لم تكن النهضة ممثّلة في الحكومة فانّ هذه الحركة الدينيّة السياسيّة ستبقى حرّة وستنشط وربّما تنتصر في الانتخابات المقبلة..
واحقاقا للحقّ فانّ السيد الحبيب الصيد رئيس الحكومة شخص طيّب ونزيه وجدّي، لكنّه يفتقر لعزيمة قويّة تؤهّله لقيادة حكومة حرب ضد الارهاب والاضطرابات الاجتماعيّة المكبّلة لنموّ البلاد! انّها حكومة سلبية ودون شخصية، ولا أدلّ على ذلك من استمرارها في التداين لتسديد الأجور، وفضلا عن ذلك فانّها ترتبك كلّما اجتمع عشرون نفرا للتظاهر أمام وزارة أو ولاية أو مركز أمن أو مدرسة أو مستودع للحافلات العمومية!
إنّها حقا كارثة ويكفي هنا أن نتذكّر كيف تصرف وزير الشؤون الدينية ازاء احتجاجات متشدّدين أمام الوزارة حتى نعي مدى ضعف الحكومة، فقد استقبلهم وأمضى وثيقة معهم!.. كما نذكّر بتواصل أنشطة المهرّبين على الحدود وعدم فرض عدالة جبائيّة وترك أشخاص مشبوه فيهم في الجهاز الأمني وعدم مراجعة قائمة القضاة المكلفين بملف الارهاب وخاصّة عدم تحديد معالم مشروع المجتمع الذي نحلم به والقائم على العدالة والعمل ورفع التحديات وتمكين إطارات الولايات وكفاءاتها من نساء ورجال ونخب من تقديم تصوّر لنموّ شامل لعشر سنوات وايجاد موارد للتمويلات التي تحتاج اليها هذه البرامج الطموحة!
أمّا على صعيد السياسة الخارجيّة فيبدو أنّنا تحت التأثير الأمريكي وربما القطري أيضا، فالسياسة مع ليبيا هي امتداد لمواقف حكومة المرزوقي والنهضة والتي ما انفكت تدعو الى الحوار بين كل الأطراف في هذا البلد الشقيق، كما فتحت بلادنا قنصليتين منادية بالحوار رغم الانتخابات الليبية الأخيرة والتي أفرزت فوز الشقّ المدني..
والسؤال الذي يطرح نفسه في هذا السياق:
هل أجريت دراسة جدية من قبل رئاسة الجمهورية قبل تحديد موقف تونس الذي يجب أن تراعى فيه مصلحتنا الوطنية دون سواها؟ فهل انّ الحوار الليبي الليبي اذا تمّ سيدعم وجود ميليشيات تهدّد أمن بلادنا وتساعد على التهريب وتمرير الأسلحة والمال لفائدة المتشدّدين والارهابيين الموجودين في تونس؟ انّ المشكلة الكبرى التي لم يتفطّن اليها رئيس الجمهورية ووزير الخارجيّة تكمن في عدم التفكير في مصلحة تونس فقط.. هل انّ حوارا وطنيا ليبيا سيجعل من المناطق الحدوديّة الليبيّة التونسيّة أراضيَ تحتضن الارهابيين التونسيين المتشدّدين؟ هل انّ تحكّم فجر ليبيا في هاته الأراضي سيمنع تمرير الأسلحة والأموال والارهابيين في اتجاه تونس؟ ثمّ هناك الملف السوري الذي لم يقع حسمه لأنّ النهضة وأمريكا ترفضان الاعتراف بنظام بشار الأسد.. ومع هذه الاشكاليات لم يقع التطرّق الى الأسباب التي جعلت دولة الإمارات تمتنع عن تقديم مساعدات مالية وعسكريّة لتونس، والغريب في الأمر أنّ حكومة «أبو ظبي» ساندت ترشح الباجي قايد السبسي وأهدته سيارة مصفّحة كما وعدت بضخّ تمويلات ضخمة.. فما الذي دفع الإمارات الى نقض وعودها؟ انّ كل المعطيات تشير الى انّ دولة الإمارات كانت تعتقد انّ نداء تونس لن يتحالف مع النهضة في الحكم لأنّها ترفض تأثير الحركات الاسلامية السياسية على الحكومات العربية على اعتبار أنّها حركات ارهابيّة يجب محاربتها، علما ان حامي الحركات الاسلامية هو الولايات المتحدة الأمريكية التي ساهمت في تدمير العالم العربي بما يضمن تواصل هيمنة اسرائيل على منطقة الشرق الأوسط.
أما الجزائر فرغم انّ هناك تعاونا أمنيا وعسكريا ضد الارهاب قائما بينها وبين تونس فانّ السيد عبد العزيز بوتفليقة وحكومته لا يثقان بالسلطة في تونس نظرا الى انّ النهضة شريك في الحكم وهم يعتقدون انّ الاسلاميين ما انفكّوا يستهدفون استقرار بلد المليون شهيد..
خلاصة القول انّ الحكومة التونسية ضعيفة وتفتقر لمشروع مجتمع عادل ومتطوّر وهي هشّة أمام الاضطرابات في حين ان سياستها الخارجيّة متعثّرة اي لا يستثاق بها بسهولة..
هكذا اصبحت بلادنا وستظلّ على هذا النّحو عقودا أخرى في انتظار من ينقذها..